Why physics and poetry are actually quite similar

لكي تكون فيزيائيًا، عليك أولًا أن تكون شاعرًا

نعم كي تكون فيزيائيًا عليك أولًا أن تكون شاعرًا

قد يبدو الأمر غريًبا أو غير منطقي

لكنني كشاعر حاصل على دكتوراه في الفيزياء، سأوضح لكم

خطأ الاعتقاد السائد أن الشعر شيء والفيزياء شيء آخر

سأحدثكم عن علاقة غريبة بين العلم والفن

بين الرطب والجاف بين العاطفي والمجرد.

ولكن أولًا لم أشعر يومًا في حياتي أن علاقتي مع الشعر

هي خيانة لعلاقتي مع العلم إلى أن دخلت المرحلة الثانوية

تحديدًا يوم صنفوني علمي، وصنفوا الفتاة التي أحب أدبي

يوم قرروا نيابة عني أن يفصلوا عقلي عن قلبي

فكرت يومها بالاعتراض لدى مدير المدرسة

المشكلة أن مديرنا كان شديد الانفعال سريع الاشتعال

طويل القامة، إذا نظر إلى أحد تعرق، وإذا نظر إلى شمل تفرق

أخذت نفسًا عميقًا وذهبت إليه قائلًا:

أريد أن أدرس المواد العلمية التي أحب في القسم العلمي

والمواد الأدبية التي أحب في القسم الأدبي.

توقف الزمن لبرهة.

ارتجفت يداه احمرت عيناه وقام عن كرسيه منفعلًا وهو يقول

إيه شو رأيك تيجي تعمل مدير عنا كمان؟.

ولكنني لم أستسلم

وكما يفعل شعراء البلاط لخطب ود السلطان،

صرت أكتب قصيدة في كل مناسبة مدرسية

وأمدح المدير أمام المعلمين والمعلمات والطلاب.

وبعد شيء من التملق وكثير من الترجي وافق لي على استثناء

بشرط أن أتوقف عن كتابة قصائد الحب الغرامية.

أذكره الآن بفضله، وبفضل حصص الأدب تلك

صرت في الشعر أمهر

وفي الفيزياء أقدر

هناك مثلي العديد من الطلاب عشاق العلم وعشاق الأدب في مدارسنا اليوم

لكنهم ضحايا التخصصية الصارمة والتأطير في النظام التعليمي.

أنا أفهم أننا نحتاج إلى علماء ومهندسين وشعراء وأدباء

إلا أن ذلك لا يعني تحويل التعليم إلى تعليب

فالناجحون يدخلون إلى التخصص من باب واحد

أما المبدعون فيدخلون إلى التخصص من أبواب متعددة.

لأن الناس، الناس مثل المثلثات

هناك زاوية للعلم وزاوية للفن وزاوية للتواصل

ومهما اختلف الناس أو تشابهوا، فإن مجموع هذه الزوايا هو دائمًا

180 درجة.

وعلى الإنسان على الإنسان في بناء هندسته الذاتية

أن يوازن بين تعمقه بالعلم

تعلقه بالفن وتألقه في نشر أفكاره

والتواصل مع الآخرين

تحديدًا يعني أشدد على هذه النقطة

لأن الذين أعطوا زاوية كبيرة من حياتهم للعلم

نراهم أنهم قتلوا العلم حقًا

عشت حياتي أوازن بين الشعر والفيزياء

وما زلت أن أحاول أن أفهم باللغة هذا العالم

لأن طريق العلماء إلى المعرفة

هو نفسه طريق الشعراء إلى القصيدة

فالعلماء والشعراء منذ الأزل

أول من أصيب بالدهشة

أول من انتبه لمنازل القمر ومواقع النجوم وجمال الكون

فكتبوا الظواهر الطبيعية بعضهم على شكل قصائد

وبعضهم على شكل قوانين

على سبيل المثال، دعونا نتأمل

عندما ينظر شاعر إلى قوس قزح

ويسأل نفسه لماذا يبدو على شكل قوس؟

ثم لماذا نراه بعد المطر وليس قبله؟

ولماذا يتألف دائمًا من سبعة ألوان؟

ثم لماذا تتدرج الألوان من الأحمر إلى البنفسجي وليس العكس؟

إن الشاعر يتأمل كالعالم

يحس بانكسار الضوء في قطرات الماء

إنه فيزيائي تنقصه فقط لغة الرياضيات

بالله عليكم كم شخص في هذه القاعة كان يشعر بالاحباط في حصص الفيزياء في المدرسة؟

طبيعي! المشكلة في المدرسة يدرسوننا من الفيزياء

معادلاتها وليس فلسفتها

فالفيزياء هي ملاحظة لهذه الظواهر الطبيعية

تحليل لها ثم قوننتها

أي كتابتها على شكل قوانين رياضية

أما الشعر فهو ملاحظة للظواهر الطبيعية أيضًا

تحليل لهذه الظواهر ثم قوصدتها

أي كتابتها على شكل قصائد

وقد استنتجت المعادلة التالية

الفيزياء تساوي الشعر زائد الرياضيات

كما أنه يمكننا أن نتلاعب قليلًا بهذه المعادلة فنقول

أن الشعر هو الفيزياء نفسها منزوعًا منها الرياضيات

ولا أعني بالشعر هنا النظم ولا الأراجيز التي تتردد في المناسبات

ولا قصائدي التملقية لسعادة المدير طبعًا

أعني العملية الفكرية التي تمرن الخيال وتحرك العاطفة

وتحث على التفكير.

فنحن يا أصدقاء عندما نتأمل الكون ونسأل الأسئلة

من أكبر المجرات إلى أصغر الذرات فنحن نقوم بأهم خطوات الشعر

سواء كتبنا القصيدة أم لا

لأن المنطق يأخذك دائمًا من الألف إلى الباء

أما الخيال فيأخذك من الألف إلى أي مكان في هذا العالم

إذن الحالة الشعرية هي ممر أساسي

لكل للعلماء كي يبدعوا

لأنهم كما قلت يتعاملون أحيانًا مع أجسام غير مرئية

وعليهم أن يفهموا بالحدس ما لا يدرك بالحواس الخمس

فيا ليت شعري ما الثقب الأسود مثلًا أو ما الذرة؟

هل رأى أحد منكم إلكترونًا أو بروتونًا؟ قطعًا لا

حتى الذين اكتشفوا الذرة لم يروها

هذه جسيمات لا لون لها، لا رائحة لها، لا شكل لها

كلما سلطنا عليها ضوءًا اكتسبت من الضوء طاقة فتحركت بسرعة عالية

ما يجعل أمر رؤيتها أو رسم صورة تشبيهية لها أمرًا مستحيلًا

هنا يلجأ الفيزيائيون إلى الشعر

إلى التخيل إلى الاستعارة

ولو أخذتم القاموس أو بحثتم في لسان العرب عن مصطلح الشعر

لتفاجأتهم أن الشعر يعني العلم

ومصطلح ليت شعري ذاك يعني ليتني أعلم

الغريب أنه حتى علماء العرب الكبار وفلاسفتهم

من أمثال ابن سينا وابن الهيثم وعمر الخيام وسواهم هم شعراء أيضًا

ليست مصادفة. لكي تكون بعبقرية آينشتاين

حاول أولًا أن تكون بشاعرية المتنبي

الذي تنبأ للنسبية حين قال: على قدر أهل العزم

تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها و تصغر في عين العظيم العظائم.

في العام 1923

عندما كان الفيزيائي دي برو لي يقوم بتسريع الإلكترونات في فرنسا

في أحد المختبرات انتبه إلى ظاهرة غريبة

كان كلما أعطاها مزيدًا من الطاقة الحركية تبدد شيء منها

ظل يتساءل ويستغرب إلى أن استلهم فكرة شعرية رائعة

مفادها أنه إذا تحرك جسم ما بسرعة عالية

تحول شيء منه إلى موجات غريبة موجات لا نراها ولكنها تؤثر بنا

سأوضح ذلك وأنا أقف الآن على سجادة TED بالعربي الحمراء

وأحرك بيدي وأتمتم بشفتي وأنتم تتنفسون

فنحن جميعًا نصدر موجات غير مرئية قد تخفى على العين

لكنها لا تخفى على القلب، ذلك ما نسميه بأثر الفراشة

لاحظوا، أن أثر الفراشة ذاك مصطلح مهم علميًا

وليس شعريًا. فبتنا نلاحظ أنه مثلما ألهم

مثلما ألهم الشعر الفيزيائيين عبر العصور، جاءت الفيزياء الآن لتلهم الشعراء

فتأتي لهم بمصطلحات جديدة مثل الأكوان الرضيعة

نهر الزمان، نسيج الزمكان

حتى أنها ألهمت محمود درويش شخصيًا، حين قال

أثر الفراشة لا يرى أثر الفراشة لا يزول

فنحن عندما ننظر إلى النجوم ونحدق بالنجوم

فإننا نرى الضوء الذي وصلنا منها للتو بعد أن سافر ملايين السنوات الضوئية

ولسنا نرى النجوم نفسها متفقون؟

كذلك الأمر، فإن ضوء النجوم كقصائد الشعراء

هي الحكايات التي تسافر عبر الزمن حاملة تراث الأمم

وفكر الإنسان إلى كل مكان وزمان

عندما نفهم الشعر على هذا النحو

تصبح اللغة مختبرًا للطبيعة

ويصبح للشعر دور أهم بكثير من كتابة الشعر نفسه

لماذا إذا والشعر ديوان العرب؟

لماذا إذا والشعر ديوان العرب باتت أمتنا تخرج علماء أقل من ذي قبل

سؤال كبير إجاباته متعددة

ولكن برأيي المتواضع هناك سببان أساسيان

السبب الأول هو أننا أهملنا الشعر في المدارس

وخصوصًا في الصفوف العلمية

بتنا نتباهى بكل اللغات الأخرى،

وننسى أن اللغة العربية هي أداة رائعة لكتابة العلم الحديث

إنها لغة كوانتوم

إذ إن لكل كلمة دلالة محددة بذاتها

فالضوء غير النور والنور غير الشعاع، والشعاع غير السنا

والسنا غير البريق إلى آخره

تمامًا كما هو الحال في الفيزياء الحديثة

السبب الثاني أنه ما زال هناك حتى هذه اللحظة

مدارس تصنف الطلاب كالمعلبات على الشكل التالي:

أصحاب العلامات الأعلى إلى القسم العلمي أصحاب العلامات الأدنى إلى القسم الأدبي.

فيتخرج من نظامنا التعليمي علماء بلا تمكن لغوي أو أدباء بلا تمكن علمي

فتذكروا أيها الأصدقاء أنكم عندما تعتنون بالشعر العربي

فأنتم تعتنون بالعلم العربي

وعندما نعلم الأجيال حب الشعر وعمق الفكر

فنحن نحضر خوارزمي العرب القادم

وحين نفكر بالعربية نبدع نرقى ونبتكر

فيا أيها العربي تأمل دواءك فيك وما تشعر